أرض التوبة:-
عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم أنه قال : ( كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة
وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على راهب ، فأتاه) .
القاتل (نادماً) : إني قتلت تسعة وتسعين نفساً ، فهل لي من توبة ؟ .
الراهب (في غباوة وجهل) : لا .
الرجل يقتل الراهب فيكمل به المائة .
ثم يسأل عن أعلم أهل الأرض ، فيدلونه على رجل عالم .
القاتل : إني قتلت مائة نفس ، فهل لي من توبة ؟ .
العالم (
في ثقة) : نعم ، ومن يحول بينك وبين التوبة !! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن
بها أناساً يعبدون الله تعالى فأعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها
أرض سوء .
(ينطلق الرجل حتى إذا نصف الطريق ]وصل نصفه[ أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب) .
ملائكة الرحمة : جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى .
ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط .
(يأتيهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم) .
الملك (يحكم) : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له .
(الملائكة تقيس ما بين الأرضين فتجد التائب أقرب إلى الأرض التي أرادها بشبر ، فتقبضه ملائكة الرحمة).
من فوائد القصة :-
قال الله تعالى
: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .
1-المذنب لا ييأس من رحمة الله ، ولو ملأ الأرض ذنوباً ، بل يجب عليه أن
يتوب إلى ربه حالاً ، قال الله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا
تَفْعَلُونَ } .
2- لا بد للجاهل من سؤال عالم بالكتاب والسنة حتى يحل مشكلاته .
3- لا يجوز للعابد أن يفتي الناس إذا كان جاهلاً ، ولو تزيا بزي العلماء ، فإن
ضرره أكثر من نفعه ، وقد يعود بالوبال عليه كما في هذه القصة ، ولو كان هذا
الراهب عالماً لما سد باب التوبة على من سأله ، ولما عرض نفسه للقتل .
4-العالم : هو الذي يفتح للناس باب التوبة ، ويغلق باب القنوط من الرحمة ،
فهو كالطبيب يأخذ بيد المريض نحو الشفاء ، ويفتح له باب الرجاء) .
5- على المذنب إذا أراد توبة أن يهجر أصحابه الذين اشترك معهم في الذنب ، وأن يهجر الأماكن التي يرتادها للمعصية .
6-على التائب أن يرافق الصالحين ليعتاد فعل الطاعات وترك السيئات ، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من
يخالل) .
7- التحاكم إلى عالم بالكتاب والسنة مشروع عند الاختصام .
8-لا تحتقر مذنباً مهما فعل ، لأنك لا تدري بم يختم له : ففي الحديث : ( أن
الرجل ليعمل عمل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وأن الرجل
ليعمل عمل النار فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة ) - زاد البخاري (
وإنما الأعمال بخواتيمها) .